كنت في أيام خلت استعمل كلمة التأمل عندما اريد أن أصف ما يعرف بالانجليزية meditation، ولكن يبدو لي ان ما تعنيه كلمة التأمل لأي شخص يتحدث العربية هو التفكير والتمعن، وهذا هو العكس تماماً لما تصبو ان تمارسه من تقوم “بالتأمل” لذلك ساستعمل هنا مصطلح تصفية الذهن.

تأثير تصفية الذهن على الناس

تصفية الذهن وسيلة معروفة منذ الازل للبشر وتركز استعمالها في الشرق الاقصى والهند حتى انتقل بعض اساتذتها الى الغرب فتعرف عدد اكبر من الناس عليها واستعملوها لمساعدة أنفسهم على تقبل وتحمل معاناة الحياة الحديثة دون ان ترتبط هذه الوسيلة بدين معين او عرق محدد. وكان الطب الغربي الحديث يقف بعيداً متجاهلاً ما يحدث ثم حدث وأن لفتت نتائج هذه الممارسة نظر بعض العلماء والاطباء النفسيين فدرسوا الناس الذين مارسوا تصفية الذهن ليكتشفوا كيف اختلفت فسيولوجية أجسامهم وطريقة عمل اذهانهم وحالة نفسيتهم بشكل عام عن أقرانهم الذين لم يمارسوا عادة تصفية الذهن. ومؤخرا زاد الاهتمام بتصفية الذهن بشكل ملفت بعد ان ضخ المعهد القومي الصحي الامريكي National Institute of Health عدة ملايين من الدولارات لدراسة تاثير تصفية الذهن على امراض القلب والشرايين التي هي القاتل الاول للبشر بشكل عام. فوجدت الدراسة ان ممارسة عادة تصفية الذهن خفضت نسبة حدوث الجلطة القلبية والدماغية والوفاة الى النصف!!

تأثير تصفية الذهن على أجهزة الجسم

ان تصفية الذهن التي ساتحدث عن طريقة ممارستها بعد قليل وسيلة لجلب السكينة والسلام الى يومك، كما انها اداة قادرة على حمايتك من الامراض التي تتاثر بالضغط النفسي والقلق وما اكثرها. فهي قادرة على حمايتك من امراض مثل ازمات الربو والاكتئاب والارق والتوتر والوجع المزمن بالاضافة الى امراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
اثناء تصفية الذهن يتأثر الجسم في اعمق ثناياه واركانه فحتى خلاياه تخفف من سرعة العمليات الكيميائية فيها فينخفض الايض metabolism وتتباطأ سرعة التنفس وسرعة نبضات القلب. ويداً بيد تنخفض افرازات هورمونات التوتر مثل الكورتيزول. هذا وقد وجدت دراسة أن أعداد الأجسام المضادة التي تكونت في الجسم بعد التطعيم بلقاح الإنفلونزا قد كانت أعلى لدى من يمارسوا عادة تصفية الذهن، كما أن بعض المواد الكيماوية التي تساعد حالة التهيج inflammation مثل السايتوكينات cytokines و c-reactive protein قد انخفضت لدى ممارسي تصفية الذهن.
كما تمت ملاحظة تغيرات في الدماغ في الناس الذين مارسوا تصفية الذهن وحافظت ادمغتهم على عافيتها بشكل افضل مع التقدم في العمر. وزادت ممارسة تصفية الذهن من حجم بعض مناطق الدماغ مثل الهيبوكامبس hippocampus وهو مسؤول عن التعلم والذاكرة، ومناطق اخرى تتناول تنظيم المشاعر والأفكار التي تتمحور حول الذات. وعلى النقيض، تسبب تصفية الذهن انكماش منطقة الأمجدالا amygdala المسؤولة عن مشاعر الخوف والقلق والضغط النفسي. ولا تحدث هذه التغييرات في الحجم بدون أن يتغير الناس انفسهم، فقد لاحظ من مارس تصفية الذهن تحسن المزاج والشعور بالعافية. وقد لفت هذا الاثر انتباه الاطباء النفسيين فجربوا في جامعة ييل Yale University في بنسلفانيا تعليم مرضى الاكتئاب هذه العادة. وكما كان متوقعاً نافست ممارسة تصفية الذهن في نجاحها الادوية المستعملة في علاج الاكتئاب. ولا عجب من ذلك لأن تصفية الذهن تخفف من النشاط الدماغي المصاحب للافكار التي تتعلق بالذات والافكار المتنقلة بدون نظام او ترابط والتي تتناول الخوف والقلق في الماضي والمستقبل وهذا النشاط الفكري يصاحب في العادة نفسية تغيب عنها السعادة.

تأثير تصفية الذهن على السلوك

وعلى مستوى السلوك الاجتماعي فقد اثرت عادة تصفية الذهن على تخفيف الشعور بالتوتر والتوتر الاجتماعي ايضاً عبر تاثيرها على مراكز الدماغ المسؤولة عن الافكار التي تتمحور حول الذات. وحتى تلاميذ المدارس استفادوا من ممارسة هذه العادة عندما تبنت بعض مدارس امريكا تعليم التلاميذ ممارسة تصفية الذهن مرتين يومياً ولاحظت زيادة انتظام الطلاب بالحضور وارتفاع معدلات التلاميذ وانخفاض عدد الطلاب المفصولين. وقد وجدت دراسة حديثة من جامعة سانتا باربرا في كاليفورنيا ان تصفية الذهن ترفع القدرة على الانتباه والتركيز بعد مدة لا تتعدى اسبوعين من البدء بممارستها وتساعد حالات مرض نقص الانتباه attention deficit disorder ADD لدى الصغار والكبار.
وعلى مستوى الادمان فقد ساعدت ممارسة تصفية الذهن مدمني التدخين وزادت اعداد من نجحوا في التوقف عن التدخين بين من مارسوا هذه العادة اكثر من هؤلاء الذين لم يتبنوها كما انهم حافظوا على نجاحهم مع الزمن اكثر من غيرهم.

طريقة ممارسة تصفية الذهن

التنفس العميق

هناك أكثر من طريقة لتصفية الذهن ولكن من أكثر اساليب تصفية الذهن استعمالاً وأسهلها اداءاً وسيلة التنفس العميق ثم متابعة حركة النفس شهيقاً وزفيراً ليلتهي العقل عن مطاردة الافكار تدريجياً حتى تختفي الافكار تماماً.

الخطوات

اجلسي منتصبة القامة في مكان هادىء وفي وضع مريح وضعي يداً على بطنك وضعي اليد الأخرى على صدرك.

خذي شهيقاً عميقاً باستعمال عضلات البطن، بحيث تلاحظي ارتفاع يدك الموجودة على بطنك بينما تتحرك اليد الاخرى الموجودة على صدرك بشكل اقل. ان هذه الطريقة في التنفس تملأ الرئتين بالهواء بشكل أكبر مما يحدث باستعمال عضلات الصدر.

اخرجي الزفير باستعمال عضلات البطن ايضاً واشعري بيدك بينما تنخفض فوق بطنك.

كرري النفس لمدة عشرة دقائق يومياً.

ارجو ان تكوني قد اقتنعت بقدرة هذه العادة على مساعدتك في حياتك فهل لك ان تجربيها في وقت فراغك حتى ولو كان قصيراً لبضعة دقائق في الصباح او المساء او كليهما. لاتندفعي الى الموبايل او صفحة الفيسبوك بشكل اوتوماتيكي بل اقضي بضعة دقائق محاولة تخفيف الافكار وتصفيتها او التركيز على اي شيء بدون التفكير به مثل متابعة النفس.