عبر التاريخ كان شيوع الإكتئاب عند النساء أكثر من الرجال لافتا للإنتباه، فقد كتب المؤلف الإنجليزي المبدع تشارلز ديكنز في منتصف القرن التاسع عشر أن عدد نزيلات المؤسسات التي ترادف المصحات النفسية في وقتنا الحاضر أكثر بكثير من النزلاء الذكور وقد لاحظ ذلك بعد أن حضر حفل عشاء راقص لنزلاء ونزيلات إحدى هذه المؤسسات. هذا وقد بقيت هذه الملاحظة صحيحة حتى عصرنا الحالي، فهل حال المرأة والضغوط التي تواجهها في حياتها والواجبات التي تتحملها بدون الدعم الكافي هي السبب أم أن أنسجتها وأعضاءها وما تنتجه من مركبات كيماوية تعمل ضدها أحياناً.
محطات الإكتئاب في حياة المرأة
Photo:Shutterstock
هناك ثلاث محطات في حياة المرأة تجعلها أكثر قابلية لظهور الإكتئاب أو ازدياد حدته وهي:
1- شهرياً قبل الدورة (قبل الطمث أو الحيض).
2- بعد الولادة.
3- قبل الإياس (الإنقطاع النهائي للدورة الشهرية) وخاصة في السنوات الثلاثة الأخيرة.
ومن اللافت أن الإختلاف في أعداد المكتئبين بين الجنسين يختفي في الستينات والسبعينات من العمر كما أن لا وجود له قبل البلوغ.
تأثير هورمونات المرأة على الحالة النفسية
هناك ما يعرف بمستقبِلات هورمون إستروجن في أنسجة الدماغ تتأثر به عندما يرسو عليها فيحدث تغيير في طريقة عمل خلايا الجهاز العصبي. فمثلا يستطيع هورمون إستروجن أن يزيد تواجد مادة سيروتونين serotonin في خلايا الجهاز العصبي وهذه المادة هي العامل الأساسي الذي يؤدي نقصه إلى الشعور بالإكتئاب عند النساء والرجال. وعندما يرتفع مستوى سيروتونين يتحسن المزاج والحالة النفسية.
ماذا يحدث قبل الدورة أو الطمث شهرياً
تلاحظ 95% من النساء نوعاً أو آخر من الأعراض قبل نزول الطمث في كل شهر ولكن لا تكون الأعراض شديدة بحيث تؤثر على نشاطات المرأة اليومية إلا في 5% من النساء. ومن الأعراض التي قد تستمر من عدة أيام إلى أسبوعين كاملين ما يلي:
الأعراض النفسية
الإكتئاب.
الأعراض الجسدية
كما قد تشعر بعض النساء بأعراض أخرى أثناء نزول الطمث نفسه مثل الألم في الحوض والصداع فينتهي الحال ببعض النساء إلى انحسار أيامهن الجيدة التي يشعرن فيها بالراحة في ما لا يزيد عن 7 أيام من كل شهر!
أسباب أعراض ما قبل الدورة
بصراحة نحن لا نعلم بالضبط سبب هذه الأعراض التي تظهر قبل نزول الطمث ولكن المعروف أن جذر المشكلة هو التغير الذي يحصل في مستوى الهورمونات التي ينتجها المبيض عبر مراحل الدورة التناسلية أو دورة المبايض الشهرية menstrual cycle. وينتج عن هذه التغيرات في الهورمونات (بروجسترون وألوبريجنينالون) التي ينتجها المبيض والمواد الكيماوية الأخرى التي ينتجها الجهاز العصبي لنقل الإشارات العصبية بين خلاياه (جابا GABA و سيروتونين) أعراض تظهر عند من لديها استعداد في جيناتها الوراثية يجعلها مهيئة للتأثر بتغير مستوى الهورمونات حتى ولو كانت مستويات طبيعية.
طرق العلاج
هناك أكثر من وسيلة للعلاج ومنها تناول هورمونات إستروجن ودانازول وGnRH analogues. ومن أكثر الطرق فعالية وأقلها تسبباً لظهور الأعراض الجانبية إستعمال لصقات هورمون إستروجن مع وضع لولب ميرينا Mirena لحماية بطانة الرحم أو تناول أقراص بروجسترون لمدة 7 إلى 12 يوماً من كل شهر بالإضافة إلى لصقات إستروجن.
وهناك خيار استئصال الرحم والمبيضين للمرأة التي تستمر معاناتها بالرغم من تجربة الوسائل المختلفة. ومن المستحسن استعمال دفائن أو لصقات إستروجن لحمايتها من نتائج حالة الإياس المبكر التي يسببها استئصال المبايض.
الإكتئاب بعد الولادة
إن ظهور الإكتئاب بعد الولادة شائع وتعاني منه 10 إلى 15% من النساء وقد يستمر لأكثر من عام كامل في 40% ممن يصبن به. وهو مثال آخر لتأثير التغيير الحاصل في مستويات الهورمونات على نفسية المرأة بعد الولادة وللعلاج بالهورمونات فعالية عالية تسبب الشفاء.
أعراض الإكتئاب بعد الولادة
إن تدني المزاج وعدم الشعور بالفرحة أوالمتعة بالمولود الجديد وعدم الإهتمام بما يحدث هي من أعراض الإكتئاب بعد الولادة والتي قد تظن المرأة مخطئة أنها طبيعة الحال عند الجميع بعد الولادة. وقد يصاحب هذه الأعراض اضطراب في النوم زيادة أو نقصان وفقدان الوزن وانعدام النشاط وغياب الرغبة الجنسية بالإضافة إلى التهيج والقلق أو تدني القدرة الذهنية أو الشعور بعدم القيمة والشعور بالذنب. ومن الشائع أيضاً في مثل هذه الحالات التفكير بالموت أو حتى الإنتحار.
علاج الإكتئاب بعد الولادة
إن الأشهر الستة الأولى بعد الولادة أشهر صعبة مرهقة لأي أم يصاحبها التعب الجسماني وقلة النوم بسبب احتياجات المولود الصغير هذا بالإضافة إلى القلق وعدم الثقة بأن ما تقوم به الأم الجديدة كافٍ أو صحيح. ولكن بالرغم من هذا كله إلا أنه يبدو أن للهورمونات دور في شعور الأم بالإكتئاب بعد الولادة. وقد أيدت هذا الرأي نتائج الدراسات التي أظهرت تحسن سريع ومهم في أعراض الإكتئاب بعد استعمال لصقات هورمون إستروجن.
الإكتئاب قبل الإياس
إن السنوات الأخيرة قبل الإياس سنوات تتسم بزيادة احتمال ظهور الإكتئاب عند النساء لأنها سنوات تنخفض فيها كميات هورمونات المبايض وهي في طريقها إلى التوقف النهائي عن العمل والذي ينتج عنه الإنقطاع النهائي والتام للطمث وحدوث الإياس. وبالرغم من غياب أي إثبات على أن عدد حالات الإكتئاب أكثر بعد حدوث الإياس أو أن العلاج بهورمون إستروجن مفيد لمن تشكو من الإكتئاب بعد الإياس إلا أن الصورة مختلفة في مرحلة ما قبل الإياس مباشرة أي في السنتين أو ثلاثة سنوات الأخيرة قبل انقطاع الطمث. فقد أظهرت عدة دراسات أن الإكتئاب في هذه الفترة يتحسن أو يشفى بعد تعويض المرأة بهورمون إستروجن.
علاج الإكتئاب عندما يقترب الإياس
إن أفضل طريقة لتعويض هورمون الإستروجن هو استعمال لصقات على الجلد ولكن يجب أيضاً معها تناول هورمون بروجسترون أو بروجستن لتنزيل الطمث شهرياً وذلك لحماية بطانة الرحم من بعض التغيرات غير الصحية التي قد تنشأ إذا لم تتناول المرأة بروجستن مع الإستروجن. ويوصف البروجستن لمدة تتراوح بين 7 إلى 12 يوماً من كل شهر. هذا وقد أظهرت إحدى الدراسات تفوق الإستروجن على المهدئات المضادة للإكتئاب antidepressants في درجة التحسن الحاصل في أعراض الإكتئاب بعد العلاج كما أن التحسن كان سريعاً بعد الأسبوع الأول من الحصول على التعويض بالإستروجن.
اكتشاف المزيد من مشوارك مع صحتِك
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليقان (2) على “دور هورمونات المرأة في ظهور الإكتئاب عندها”