إن أغلب الدول المتقدمة اقتصادياً وحضارياً قد سنت قوانين للتخلص من التدخين والأهم أنها تنفذ تلك القوانين بمراقبة من يتجاهلها وتغريمه لاستهتاره بمن حوله وبصحتهم. وفي الشهر الماضي نشرت مجلة لانست الطبية دراسة جديدة تدعم صحة المنطق خلف هذه القوانين، اذ تبين ان نسبة الولادة المبكرة واعداد حالات الازمة الصدرية الشديدة او الربو الشديد لدى الاطفال قد انخفضت بعد اصدار وتفعيل قوانين منع التدخين في الاماكن العامة. لقد تفحص العلماء نتائج ١١ دراسة اجريت بين عامي ٢٠٠٨ و٢٠١٣، وكانت تلك الدراسات قد راقبت حالات الولادة المبكرة وحالات الادخال الى المستشفى بسبب ازمة ربو شديدة وقارنتها قبل وبعد تفعيل قوانين منع التدخين.
اما الارقام فقد كانت مهمة، اذ انخفضت حالات الولادة المبكرة ١٠٪، كما انخفضت حالات الربو الشديدة ١٠٪ ايضاً. ولم تكن هذه الدراسة المنشورة حديثاً الاولى او الوحيدة التي تشير الى ما يستفيده البشر من منع التدخين في الاماكن العامة واولها المقاهي. فالجميع يعلم فوائد التوقف عن التدخين لدى البالغين، وهذه الدراسة الجديد ما هي الا اضافة تنبه الى خطر تدخين البالغين على صحة الاطفال حولهم والاثر الايجابي لقوانين منع التدخين. وبالاضافة الى الربو والولادة المبكرة فان التدخين حول الاطفال قادر على زيادة السعال والرشح والتهاب الاذن وحتى بعض الالتهابات القاتلة مثل السحايا والموت الفجاة.
في عيادتي اكثر من يافطة تطلب من الناس عدم التدخين او تمنعه بصريح العبارة، وقد يظن البعض ان لا داعي لوجودها في عيادة طبية، فمن المفهوم ان التدخين عدو من اعداء الصحة ولا مكان له في عيادة الهدف من وجودها هو المحافظة على صحة الناس. ولكن بالرغم من هذا نجد من يشرع في تدخين سيجارة من ازواج المراجعات او مرافقاتهن في غفلة منا!
ما يحدث في مجتمعنا امر يبعث الالم والقلق معاً. انظروا الى ما حدث في الفترة الاخيرة عندما قررت وزارة الصحة وامانة العاصمة عمان عدم تجديد رخص تقديم الارجيلة في المقاهي والمطاعم. قامت الدنيا ولم تقعد حتى تراجعت الجهتان الرسميتان عن القرار الصحيح وعادت الى قبول انتشار التدخين وتسهيل تعرض غير المدخنين واستنشاقهم دخان السجائر والاراجيل رغماً عن انوفهم. هل الارجيلة غير ضارة او اقل خطراً من السيجارة؟ ان الجواب طبعاً لا، فهناك من يقول انها تعادل ١٥ سيجارة واخر يقول ١٠٠. وليس هذا بالمستهجن فانظروا كم من الوقت تستمر فيه المدخنة في استنشاق الدخان المحمل بالغازات الخطيرة الناتجة عن احتراق تمباك الارجيلة.
هل هناك شعب يكره ان يعم الخير والصحة وحسن المعاملة بين افراده؟ ان الجواب المنطقي هو النفي، ولكن لماذا لا نتعامل بحزم مع الفئة التي لا تكترث الا لمصالحها الذاتية وتضرب بعرض الحائط صحتنا؟ ولماذا يدفع العقلاء ثمن تهور المدخنين والمدخنات وانصياعهم لشركات التدخين واصحاب المقاهي؟
اكتشاف المزيد من مشوارك مع صحتِك
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.