حقوق الأطفال

هل ضرب الأطفال طريقة مفيدة للتربية؟

إنهم كعك العيد. إنهم نسمة هواء في يوم صيفي على شاطىء غزة. إنهم عبير ياسمينة تتدلى على الرصيف في حي وديع في عمَان. إنهم فنجان القهوة في صباح ذهبي مشرق. إنهم أحباب الله. إنهم أطفال الأرض.

حقوق الأطفال
Photo: iStock

تفضل الأمهات (والآباء) الإعتقاد بأن ضربهن لأطفالهن هدفه تعليمهم السلوك السوي ولكن هناك أحياناً جانب مظلم لما يعرضوا أطفالهم له— مثلاً عندما ترد الأم أو يبادر الأب بصفعة على حركة أو تصرف من الطفل لا يعجبهما مع أنه  ثانوي في الأهمية والأثر، أو عندما يكون ضرب الأطفال تنفيساً عن الإنزعاج أو الغضب وليس ذو هدف آخر. وما زال استعمال العقاب الجسدي (أي الضرب) الطريقة المفضلة لدى الكثيرين بالرغم من نتائج الأبحاث الكثيرة عن أثره السيء—70% إلى 90% من الأمهات والآباء يضربون أطفالهم.

يتباين تقبل فكرة ضرب الأبناء والبنات بين الناس حسب خلفيتهم الإجتماعية وميراثهم الثقافي وتقاليدهم ومستوى تعليمهم. وتتركز أغلب حالات الضرب بين سن 2 و5 سنوات، فهي تلك الفترة التي يكون الأطفال فيها فضوليين ولا يستمعوا إلى كلام الآباء والأمهات. ومع أن الضرب يقل مع تقدم عمر الطفل إلا أن نسبة مهمة من الآباء والأمهات (20%) يضربون أبناءهم وبناتهم المراهقين.

تأثير ضرب الأطفال

عند تحليل ثمانين بحثاً علمياً حول تأثير الضرب أو العقاب الجسدي على الأطفال لم تُظهر أي دراسة تأثيراً إيجابياً. هذا أمر منطقي، فإذا ضُرب أحدنا أو إحدانا بهدف تغيير السلوك قد تتأذى علاقتنا بمن قام بالضرب لأننا قد نشعر بالمرارة أو الغضب من الفاعل بسبب الفعل. ولا يختلف الأمر عند الأطفال، فببساطة، لا يمكن للعقاب الجسدي أن يكون بنّاءاً بل على العكس هو يهدم روح الطفلة من الداخل ويؤذي علاقاتها مع العالم حولها. وقد يسبب عقاب الأطفال بالضرب الإكتئاب لهم وينزع شعورهم بقيمتهم وقد يقوي نزعة الكذب عند الطفل بهدف الفرار من ألم الضرب.

إن أحد أسباب شيوع تعنيف الأطفال جسديا بالضرب هو أنه فعال—ولكن ظاهرياً. فقد توقف صفعة موجهة إلى طفل مد يده للإمساك بغرض لفت انتباهه، ولكن بعد مرور اللحظة لايوجد اي فائدة لتلك الصفعة في تعليم الطفل الإمتناع عن ذلك السلوك مستقبلاً. توقف الصفعة الطفل عن الفعل المزعج أو المرفوض بسبب شعوره بالألم وخوفه ورعبه وبسبب انشغاله بالبكاء وشعوره بالضيق، ولا يعني توقفه أنه فهم لماذا كان عليه أن لا يشاغب أو يصرخ ولا تبني الصفعات قدرات الطفل على التحكم الذاتي بتصرفاته. فعندما يتعرض الطفل للضرب يحتار ولا يفهم ما يحدث، فعقله يخبره أن أهله يحبونه ولكنه في تلك اللحظة لا يرى إلا أنه قد تعرض للأذى من أهله. إنه تناقض قد يقوده إلى الإكتئاب والقلق emotional anxiety.

إن الأثر الأكثر شيوعاً لتلك الصفعة هو على المدى الطويل لأن الصفعة تعلمه استعمال السلوك العدواني معك ومع إخوته ومع أصدقائه وشريكة حياتة مستقبلاً، ولا يختلف الأثر عن ذلك عند الطفلة الأنثى. كيف لا وقد شاهد الأطفال مثلاً يُحتذى يعلمهم أن العنف وسيلة لحل المشاكل يستعملها الآباء والأمهات. تصوري أنه حتى الإستماع للألفاظ البذيئة على التلفزيون (حسب دراسة نشرتها مجلة طب الأطفال Pediatrics) زاد من عدوانية الأطفال في تصرفاتهم. ومن المعروف أن ارتفاع العدوانية عند الأطفال والمراهقين يؤدي إلى ارتفاع عدد حالات الإعتداء باللفظ والفعل بين أطفال المدارس. وقد أظهرت الدراسات فعلاً أن الضرب يرفع احتمال ظهور مشاكل في السلوك مستقبلاً قد تتفاقم إلى مستوى السلوك العدائي غير الإجتماعي antisocial behaviour ويعرضهم لاحقاً لأمراض الإكتئاب  depression والقلق anxiety. وفي النهاية قد يجعلهم أكثر قابلية لاستعمالهم هم أنفسهم العنف حتى مع أطفالهم وزوجاتهم/أزواجهم في المستقبل.

Photo: iStock

لا يقتصر الدليل على الضرر الناتج عن ضرب الأطفال على الملاحظات والأرقام بل هناك تغيرات حاصلة في تركيب الدماغ تم رصدها عند تصوير أدمغة الأطفال الذين تعرضوا للضرب وكانت التغيرات في الأجزاء التي لها علاقة بالأداء في فحص معامل الذكاء IQ test performance بالإضافة إلى الأجزاء التي تتعامل مع العواطف وتنظم ما يحدث عند التعرض للضغط النفسي.

رأي القانون في ضرب الأطفال

هناك 32 دولة من بينها تونس الخضراء تحرِّم صفع الأبناء والبنات في قوانينها. كانت السويد السباقة عام 1979 ولكن يسري الآن هذا القانون في معظم الدول الأوروبية. أما الأردن فقد صادق عام 1991 على اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ويقول نص المادة (19) منها:

على الدول واجب حماية الأطفال من جميع أشكال العنف والضرر والإساءة التي يمكن أن يوقعها الآباء أو الآخرون ممن يتحملون مسؤولية رعاية الطفل، وتتخذ الدول التدابير والإجراءات الوقائية والعلاجية الضرورية بهذا الشأن.

التطور الطبيعي عند الأطفال

مراحل النمو الطبيعي عند الأطفال
Photo: iStock

ما رأيكم لو عدنا إلى الدراسة الآن؟ إذ يستحق الآباء والأمهات الإهتمام بتثقيفهم حول مراحل النمو الطبيعي لدى الصغار. على الأغلب أننا نتفق أن الأطفال الرضع مسالمون بشكل عام ولكن تبدأ الصعوبات في التعامل معهم في فترة تمتد بين نهاية السنة الأولى والثالثة early toddlers. ويمر الطفل بمرحلة تصل العدوانية فيها إلى أقصاها في سن 2.5 سنة ثم تضعف ونجد أن إبن الأربع سنوات أقل عدوانية بشكل كبير من ابن السنتين وابنة الست سنوات تتصرف بشكل أفضل بكثير من إبنة الأربع سنوات. ولكن لا يقوم إبن السنتين بما يقوم به متعمداً بقصد إثارة المشاكل بل هي مرحلة عليه أن يمر بها قبل أن يدرك تاثير سلوكه على الآخرين وقبل أن يتمكن من لجم النزعات غير الإجتماعية لديه. ولكن كلما وجد من حوله يستعمل الهجوم والعنف لحل الخلافات كلما أصبح هو نفسه أكثر عدوانية.

يؤيد هذا ما استنتجته دراسة نشرت في مجلة تطور الأطفال الطبية Child Development من أنه إذا كانت العلاقة بين الأمهات وأطفالهن الصغار جداً مشوبة بالعدائية hostile فهي تؤدي إلى استمرار السلوك المتسم بالتحدي لدى هؤلاء الأطفال مع السنين. قامت هذه الدراسة بمراقبة الأمهات أثناء إطعامهن وإرضاعهن لصغارهن في سن 3 و 6 شهور وملاحظة ما تظهر الأم من عطف أو عصبية مع طفلها أو طفلتها. استمرت الدراسة حتى سن 3.5 سنة ثم وجدت أن أهم مؤشر مكَّن الباحثين من التنبؤ عن استمرار نزعة العنف لدى الأطفال الخاضعين للدراسة كان هو تعامل الأم معهم بشكل سلبي في سن ثلاثة وستة أشهر.

http://wp.me/p1rRbF-16n

ضرب الأطفال مقابل الإعتداء على الأطفال

متى يتحول عقاب الطفل بالضرب إلى اعتداء على الطفل child abuse؟

يقول أستاذ علم النفس الأمريكي جورج هولدن، وهو باحث درس موضوع العقاب بالضرب على مدى 15 عاماً في جوابه على السؤال، أنه لا يوجد جواب واضح فإنه من السهل اعتبار الطفل قد تعرض للإعتداء إذا وجدت عظام مكسورة أو جروح أو كدمات كبيرة واضحة. ولكن الخط الفاصل رمادي إذ يعتبر آخرون أن أي ضرب—حتى على القفى—هو عدوان جسدي على الطفل ويجب أن يصنف كذلك.

ولنترك موضوع تعريف “الإعتداء” لنلقي نظرة على دراسة قد تساعدنا أكثر على فهم الضرر وعلاقته بكمية الضرب. ففي عام 2009 وفي جامعة تولين في نيو أورلينز قامت دراسة نشرت نتائجها في مجلة طب الأطفال Pediatrics وكانت حول 2500 طفلاً. وجدت الدراسة أن الأطفال الذين تعرضوا للصفع أكثر في سن 3 سنوات هم الأكثر احتمالاً للتصرف بعدوانية في سن 5 سنوات وبالتحديد مرة ونصف أكثر احتمالأً من غيرهم إذا تم صفعهم أكثر من مرتين في الشهر. وكانت المظاهر العدوانية التي لوحظت في سن 5 سنوات هي تحدي الوالدين والمطالبة بالإستجابة الفورية لطلباتهم وفقدان الصبر ونوبات الغضب والتعبير بواسطة الإعتداء الجسدي على الآخرين وعلى الحيوانات أيضاً.

هل هناك وسائل بديلة للضرب في تربية الأطفال؟

أصدرت أكاديمية طب الأطفال الأمريكية بياناً أعلنت فيه أنها لا تؤيد صفع الأطفال تحت أي ظرف. وقد اعتبرته وسيلة للعقاب تفقد فاعليتها مع تكرار استعمالها، كما أنها تزيد صعوبة تربية الأبناء والبنات بعد أن يشبوا عن مرحلة الضرب. وتنصح الأكاديمية الأمهات والآباء باستبدال الضرب بالعزل لمدة محددة من الزمن time-out فهي فرصة للطفل لاستعادة الهدوء والتفكير بما يشعر به بدلاً عن التعبير عنه بشكل لا إرادي. وفي النهاية يجب أن يبقى الهدف من العقاب هو إفهام الطفل ليس فقط أنه قد قام بعمل خاطىء، بل مساعدته على فهم الدافع أو السبب الذي دفعه إلى التصرف الخاطىء الذي قام به.

الوسائل البديلة لضبط الأطفالالعزل أو الخلوة ووسائل أخرى لتهذيب الأطفال

عزل الطفل عنكِ وعن باقي الأطفال بترك المكان والخلوة بأنفسهم لمدة معينة.

تحويل طاقته واهتمامه إلى شيء آخر.

استعمال مصطلحات إيجابية في التخاطب معه مثل القول “إمسك الكباية مزبوط” بدل “إوعى تكب الحليب”.

أما فيما يخص الأم والأب فقد يفقدا صبرهما في كثير من الأحيان وقد يصيبهما الغضب بسبب أفعال الأبناء والبنات الصغار ولكن عليهما في هذه الحالة الإمتناع عن الضرب وترك الغرفة لبعض الوقت لاستعادة الهدوء ثم العودة للتحدث مع الطفل حول الموضوع. وقد ينفع التفكر بأن الجنة تحت أقدام الأمهات لأسباب كثر تتجاوز—ولكن لا تقلل من قيمة—الوظائف البيولوجية التلقائية من حمل وولادة ورضاعة.


اكتشاف المزيد من مشوارك مع صحتِك

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيِك؟ هل لديك تعليق؟

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.