اتصلت بي هاتفياً لتخبرني بأنها في عمان وأنها ترتب كي نجتمع. ثلاثون صبية في مراييل بنية وقمصان بيضاء وجرازي خضراء خضعن لعملية التحول التي أجراها الزمن.
لم أتمكن من حضور حفل لم الشمل لأني شاركت عائلتي في احتفال لابنة العمومة وعائلتها بزفاف ابنها ولكن واتس آپ مكنني من تذوق طعم اللقاء عبر پيكسلات الصور على شاشة هاتفي بعد مغادرتي حفل العائلة. رأيت الأمهات والجدات في بنات صفي. رأيت سيدات الأعمال والمصرفيات والطبيبات وكل الأدوار التي تلعبها نساؤنا العربيات بتفوق واقتدار لا تخلو من الأنوثة والأناقة والرقة. سمعتهن ينشدن نشيد المدرسة الأهلية للبنات، مدرستي، على أنغام البيانو تحت أصابع إحدى صبايا الصف الفنانات. غنين وضحكن وتبادلن قصص الحياة. لم تكن كل القصص سعيدة في حبكتها فهناك قرصات الزمان.. هناك السرطان والطلاق وفقدان الأحبة، ولكن هناك أيضاً العزيمة والقدرة على تحمل الأيام الصعبة والإرتفاع فوق الأحزان لإكمال المشوار بدون الراية البيضاء.
صديقتي لم أرها منذ عدة سنوات وحتى أننا لم نستمر بالكتابة فالحياة لها أساليبها في سد القنوات. ولكن عندما اجتمعت بها على غداء ثاني أيام العيد وقضيت أحلى ساعات ذلك النهار معها هيء لي أنني ما زلت تلك الصبية بجديلتها الثائرة على المغّيطة ومريولها وقميصها الأبيض التعبان من كثرة الغسيل والكي. سألتها.. لماذا هذه النكهة الخاصة بصديقات الطفولة؟ ما سر هذا العبق الذي يلف علاقاتنا مع الركاب الذين استقلوا القطار معنا في نفس السنة؟ هل السر هو كل تلك الذكريات المشتركة؟ أجابتني: “لا، انها البراءة التي تهبك المحبة صافية.” صديقتي حكيمة. فعلاً.. انها البراءة في عمر الطفولة التي تكاد تشع في قدسية قبل أن تضعف الروح في أغلب البشر أمام سطوة الذات وطمعها وخوفها.