ان الحمل في سن متقدم يعرف عادة بانه الحمل ما بعد سن الخامسة والثلاثين. وهو امر يزداد شيوعا في المجتمعات المتقدمة والمتأخرة على حد سواء، ولكن لأسباب مختلفة. ففي المجتمعات المتقدمة التي قطعت نساؤها شوطاً طويلا في تحررها وحصولها على حقوقها من التعليم والعمل وحرية الاختيار تؤخر المزيد من النساء الحمل ريثما تحصل على مستويات اعلى من التعليم. كما ان انفتاح سوق العمل وزيادة الفرص المتاحة للمرأة بالاضافة الى توفر وسائل فعالة وآمنة لمنع الحمل يساعد على تأخير الحمل. وفي المجتمعات غير الصناعية الأضعف تقدما وأقل حظاً يرتفع سن المراة عند إنجابها لطفلها الاول بارتفاع مكانة المراة في تلك المجتمعات كما تزيد المدة بين الأحمال. فحتى في المجتمعات النامية يتأثر سن الام بعوامل زيادة حرية المراة في اختيار الزوج والتعليم وارتفاع المستوى المادي للعائلة (الدخل والأملاك). ولكن خارج هذه الفئة المحظوظة من نساء العالم الثالث هناك أسباب اخرى تدفع بالمرأة الى حمل متأخر في حياتها ومن أهمها ضعف ثقافة تنظيم الاسرة والذي يصاحبه الاحجام او عدم الاهتمام باستعمال وسائل فعالة لمنع الحمل. وقد يقول قائل ان خوف المراة من تعدد الزوجات واختيار الزوج ان يركنها جانباً ليبدأ من جديد مع “موديل جديد” يدفع بعض النساء الى الحمل في سن متأخرة لإثبات ذاتها عندما يدفعها حرمانها من التعليم الى الاكتفاء بالحد الأدنى ويدفعها عدم تكافؤ فرص العمل والترقي الى عدم التفكير في إمكانية الحصول على دور اكبر في المجتمع خارج البيت.
ويلعب ايضاً التقدم الطبي دوراً في تأخر سن الحمل اذ يساعد على الحمل بالرغم من تقدم العمر عبر تقنيات الإخصاب خارج الجسم (أطفال الأنابيب) فمثلاً أنجبت ٥٣٩ امرأة فوق سن الخمسين طفلاً في امريكا وحدها بين عامي ١٩٩٧ و١٩٩٩. وهناك تقارير عن نساء وصلن سن ٦٦ عاماً وأنجبن أطفالاً بمساعدة تقنيات الإخصاب.
ان التقدم في السن يحمل للمرأة اخطار تختلف في بعض أوجهها عن الرجل، وتبدأ من انخفاض الخصوبة الى ارتفاع مخاطر الحمل متى تم. وعلى المراة ان توازن بين الميزات البيولوجية للحمل في عمر اصغر من جهة والمزايا الاقتصادية والاجتماعية لمواصلة التعليم العالي وتثبيت نفسها في مهنتها من جهة اخرى.
مشاكل تقدم عمر الام قبل الحمل
من الحكمة ان تفهم النساء الشابات (وغير الشابات) مخاطر تأخير الحمل او الاقدام على الحمل في عمر متأخر، لان الظاهر ان الانطباع لدى النساء هو ان الحمل بعد تقدم السن امر سهل الحدوث ونتائجه جيدة. وانخفاض الخصوبة هو اهم عقبة تواجه المراة مع مرور السنين، ولكن هناك ايضاً مخاطر اثناء الحمل نفسه ومن المهم ان نأخذها بالحسبان.
انخفاض الخصوبة
ينزل معدل الخصوبة من ١١٣,٦ ولادة لكل الف امراة في أواخر العشرينات الى ٨,٣ ولادة لكل الف امراة في أوائل الأربعينات. ومن العوامل التي تلعب دورا في هذا، تراكم المشاكل الصحية مع التقدم في العمر مثل التهاب أنابيب فالوب وظهور الالياف في الرحم ونمو الالياف واللحميات داخل الرحم مما قد يضعف فرص الحمل. كما ان المخزون الطبيعي من البويضات ينقص مع الدورات المتتالية وتتراجع كفاءة البويضات.
زيادة أمراض الكروموسومات
تزيد الاخطاء في تركيبة كروموسومات البويضات عند الإخصاب، مما يؤدي الى تواجد عدد غير طبيعي من الكروموسومات لدى الجنين الذي يواجه نتيجة لذلك صعوبة في الانغراس داخل جدار الرحم، كما تظهر فيه اجهزة وأعضاء مشوهة. وتحمل ٤٤٪ من أجنة النساء في سن ٣٧ وما فوق مرض داون او احد أمراض الكروموسومات الاخرى.
صعوبة نجاح تقنيات المساعدة على الإنجاب
تنجح ٢٢٪ من دورات المعالجة بالاخصاب خارج الرحم او أطفال الأنابيب في كل شهر لدى النساء دون ٣٥ من العمر، بينما تنخفض نسبة النجاح الى ١١٪ فقط في سن ٤١-٤٢. وعندما تنفذ البويضات كلياً في سن اكبر تصبح الفرصة الوحيدة المتاحة هي استعمال بويضات امراة أخرى، هذا في البلاد التي تسمح قوانينها بالتبرع بالبويضات.
مضاعفات الحمل في بداياته
يزيد حدوث الإجهاض والنزيف لدى الحوامل الأكبر سنا الى الضعف في أواخر الثلاثينيات، ويصل مرتين ونصف اكثر عند الأربعين وما فوق، هذا مقارنة بأوائل الثلاثينيات. كما تزداد حالات الحمل الهاجر خارج الرحم، وقد تصل ثمانية أضعاف فوق الخامسة والثلاثين.
وترتفع ارقام الإصابات بالتشوهات الخلقية لدى الأجنة، فمثلا ترتفع تشوهات القلب أربعة أضعاف فوق الأربعين وتزيد تشوهات الأقدام وحالات فتق الحجاب الحاجز. وقد نصحت اعلى هيئة علمية في بريطانيا جميع الحوامل بغض النظر عن اعمارهن بالحصول على فحص لتقدير احتمال أمراض الكروموسومات والتشوهات الخلقية الأخرى. اما في امريكا فنصحت اعلى هيئة، بالاضافة لفحص تقدير أمراض الكروموسومات لكل الحوامل في جميع الأعمار، بأخذ عينة من المشيمة او السائل الامنيوسي للفحص في النساء اللاتي سيكونن أكبر من ٣٥ عند الولادة.
مشاكل الحمل في الثلثين الأخيرين
ارتفاع ضغط الدم
تتضاعف أعداد حالات ارتفاع الضغط في الحوامل الأكبر سناً، وهذا بدوره يرفع عدد الولادات المبكرة وصغر وزن المولود وعدد حالات الولادة بواسطة عملية قيصرية.
مرض السكري
قد يظهر السكري قبل الحمل لدى النساء الأكبر سنا كما قد يظهر للمرة الاولى بعد ان يبدأ الحمل. وهو ٦ مرات اكثر فوق الأربعين مقارنة بالحوامل في العشرينات. ويزيد السكري من ظهور التشوهات الخلقية لدى الجنين بالاضافة الى الأمراض الاخرى والوفاة.
مشاكل في المشيمة
تزيد مشاكل انغراز المشيمة في أسفل الرحم عشر مرات في الأربعينات مقارنة بالعشرينات، كما يكثر انفصال المشيمة والنزيف. كما ان لزيادة عدد الأحمال السابقة لدى المراة تأثير إضافي يزيد من ظهور مضاعفات المشيمة.
الولادة المبكرة وصغر وزن المولود
تتضاعف الأرقام مرتين فوق الخامسة والثلاثين مقارنة بالعشرينات.
وفاة الجنين
تتضاعف وفيات الأجنة مرتين في أواخر الثلاثينيات وتزيد مرتين ونصف فوق الأربعين، حتى بدون وجود أمراض ومشاكل اخرى مصاحبة للحمل.
زيادة الولادة عبر عملية قيصرية
تلد ٥٠٪ من الحوامل بين ٤٠ و٤٥ عاما من العمر بواسطة عملية. وقد يكون السبب عدم تقدم المخاض بشكل طبيعي او مشاكل الوضع الصحي لدى الام ومرضها او تحريض المخاض او ما يعرف بالطلق الصناعي او استلقاء الجنين داخل الرحم بشكل غير طبيعي.
وفاة الام
هذا امر نادر ولكن من المعروف ان كبر الام الحامل يزيد من حدوثه. في امريكا هناك ٩ وفيات لكل ١٠٠,٠٠٠ ولادة بين سن ٢٦ و٢٩ عاماً، و٢١ وفاة بين ٣٥ و٣٩ عاماً، ترتفع الى ٤٦ وفاة لكل ١٠٠,٠٠٠ ولادة في الأربعين وما بعدها.