يبدو لي اننا ننتقي شخصية شريرة من عالم مشاهير الغذاء كل بضعة سنين ونرتعب منها ثم نكتشف بعد عشر سنين انها ليس سيئة او ان هناك شرير آخر يستحق الإهتمام أكثر. كان الملح ثم جاءت الدهون والبيض والجمبري ثم تربع السكر على العرش. هذا هو عذري لتناول مقالة قديمة من ٢٠١١ لتضييقها من جهة وتوسيعها من جهة أخرى لتناسب ما هو موجود على الكاتووك catwalk في عروض موضة العام. لا غبار على ذلك بل انه مهم للباحثين ان يستمروا في تناول استنتاجات سابقة وتفحصها وتغييرها في ضوء الأبحاث الجديدة والملاحظات المستجدة عن البشر وعاداتهم وصحتهم وحالهم. فالتغيير صديقنا وعدم اليقين دافع لنا للبحث أكثر والتطور في كل مناهج الحياة، بما فيها العادات والتقاليد القديمة وليس في العلوم فقط- ها قد تجرأت وقلتها 😱.
الدهون أنواع فمنها الضار ومنها ما لا يضر إذا تناولتيه بكميات مناسبة يحددها عمرك ووزنك وطولك ونشاطك الرياضي فمدربة المركز الرياضي الشابة ذات القامة الطويلة قادرة على تناول كمية أكبر قليلاً من الدهون بدون أضرار.
فوائد الدهون
تضفي الدهون نكهة للطعام نستمتع بها كما أنها تسبب الشعور بالشبع لأنها تثير مركز في الدماغ يطلق إشارات تجعلنا نستكفي ونتوقف عن تناول المزيد من الأكل. وتحتوي أغلب المأكولات (حتى الجزر) على بعض الدهون ولكن لا بأس فالدهون مصدر للطاقة كما أنها تدخل في تكوين كل خلية في جسم الإنسان وبالتحديد في غلاف الخلايا فتساعد على تنظيم حركة ما يدخل ويخرج من كل خلية. كما أن جسمك بحاجة إلى الكوليسترول لأنه يصنع عدة هورمونات من هذا المركب مثل الإستروجن والتستوستيرون وفيتامين د ومواد ضرورية مفيدة غيرها، كما تلعب الدهون دوراً في قدرة العضلات على القيام بعملها بشكل طبيعي هذا بالإضافة إلى أن الدهون بأنواعها المختلفة تؤثر على تهيج الأنسجة inflammation فبعضها يثيره وبعضها يضعفه في انسجة مثل المفاصل والأوعية الدموية مثل الدهون المسماه اوميغا-3.
هناك نوع من الدهون المتعددة غير المشبعة واسمه أوميغا-3 ذو فوائد متعددة، فهو يقلل من الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ويقلل من أعراض ارتفاع ضغط الدم والإكتئاب واضطراب فرط الحركة وضعف الإنتباه ADHD بالإضافة الى الم المفاصل وبعض مشاكل الجلد. وقد اظهرت بعض البحوث انه قد يحفز جهاز المناعة ويحمي من بعض الأمراض مثل ألزهايمر. هذا وتلعب اوميغا-3 دورا في التطور السليم لدماغ الجنين ومن هنا جاءت اهميته في غذاء الحوامل بالذات.
وقد تكونوا قد سمعتن عن نظام التغذية في بعض بلاد البحر المتوسط القريبة منا التي وجد أن نسبة الإصابة فيها بأمراض القلب والشرايين منخفضة حتى عند من هم مصابون بالسمنة. وقد عزوا احد الأسباب الى غنى طعامهم اليومي بزيت الزيتون. لحسن الحظ لدينا الكثير من زيت الزيتون المميز الذي اشتهرت به فلسطين والأردن وهو ركن تقليدي من غذائنا من آلاف السنين فنحن نعشق المسخن وشطائر الزيت والزعتر وكل تلك الأطباق الشهية مثل الفول بزيت والفاصوليا بزيت والملفوف بزيت وورق الدوالي بزيت.. الخ. وزيت الزيتون غني بالدهون الأحادية الإشباع واسمها اوميغا-9. وعند الإستعاضة بزيت الزيتون عن انواع الزيوت النباتية الأخرى الغنية باوميغا-6 تنخفض نسبة أوميغا-6 الى اوميغا-3 في الدم ويتزن وهذا أمر جيد لأنه بالرغم من فائدة اوميغا-6 إلا ان ارتفاعها عن نسبة معينة يساعد على تجلط الدم بشكل يهدد بخطر الإصابة بجلطات القلب والدماغ. وللتغني بزيت بلادي أكثر سأضيف أن زيت الزيتون يرفع من كمية الكوليسترول الجيد النافع من نوع HDL وهو المركب الذي يتطوع بتنظيف الأوعية الدموية من الكوليسترول الضار LDL ويحمله بكل طيب خاطر الى الكبد حيث يتم تكسيره والتخلص منه. وزيت الزيتون بمكوناته الأخرى الفينوليكات phenolics منظف فعال لمركبات أخرى ضارة وهي الشحنات الحرة المؤكسِدة المتهمة دائما بالتسبب في امراض السرطان والقلب والشرايين بسبب تدميرها لحامض الدي ان إيه DNA الذي هو المحرك الأساسي لكل العمليات داخل خلايانا. وعلى الأغلب ان هذا سبب حمايته لنا من سرطان الثدي والقولون والرئة والمبيض والجلد.
الدهون الموجودة في الدم
جسم الإنسان قادر على تصنيع الدهون المشبعة، ولذلك فنحن لسنا بحاجة إلى تناولها في غذائنا بينما لا تتوفر لأجسامنا القدرة على تصنيع الدهون غير المشبعة ولذلك فنحن بحاجة إلى الحصول عليها عن طريق الأغذية التي تتوفر فيها. وبما أن الدهون لا تذوب في الماء يتم تغليف هذه الدهون في داخل الجسم بطبقة من البروتين والكوليسترول حتى تتمكن من الذوبان في الدم الذي يحملها إلى الخلايا التي تحتاجها وتسمى هذه المركبات بروتينات شحمية lipoproteins وهي ما يتم قياسه عند إجراء فحص المختبر.
هناك البروتين الشحمي خفيض الكثافة low-density lipoprotein أو LDL cholesterol وهو كوليسترول ضار بالصحة إذا زاد عن الحد لأنه يتراكم على جدران الأوعية الدموية في لويحات plaques فتضيق الشرايين وتقل كمية الدم التي تصل إلى الخلايا والأنسجة وإذا حدث وانفصلت إحدى اللويحات عن جدار الشريان تصيب الإنسان الجلطة القلبية أوالسكتة الدماغية.
أما النوع الثاني فهو البروتين الشحمي رفيع الكثافة high-density lipoprotein أو HDL cholesterol ولكنه كوليسترول نافع فهو مثل المكافحين الذين يعملون في لم القمامة من شوارع مدننا إذ أنه يلم الدهون الموجودة في الدم ويأخذها إلى الكبد ليتم التخلص منها.
إن الهدف المطلوب هو التقليل من البروتين الشحمي خفيض الكثافة (الكوليسترول الضار) ورفع مستوى البروتين الشحمي رفيع الكثافة (الكوليسترول النافع) حتى نحمي أنفسنا من أمراض القلب والشرايين وبعض الأمراض المزمنة الأخرى.
أنواع الدهون في الغذاء
الدهون المشبعة saturated fats
– وهي ضارة، وتوجد في الأطعمة التي تأتي من مصدر حيواني مثل اللحوم الحمراء والحليب كامل الدسم ومشتقاته من ألبان وأجبان وفي الأسماك والدواجن التي تؤكل دون نزع الجلد. ولا تحتوي النباتات على كميات كبيرة من الدهون المشبعة باستثناء جوز الهند وزيته وزيوت النخيل. والدهون المشبعة هي مصدر الكوليسترول ومن المهم التقليل من تناولها قدر الإمكان أو عدم تناولها بتاتاً.
الدهون غير المشبعة نوعان أحادية monounsaturated fats ومتعددة polyunsaturated fats
– وهي مفيدة وهي موجودة في حالة سائلة وبشكل رئيسي في النباتات. إنها دهون مفيدة قادرة على تخفيض مستوى الكوليسترول في الدم بالإضافة إلى التخفيف من تهيج الأنسجة واستقرار نبضات القلب وفوائد أخرى غيرها. وينصح بتناول هذه الدهون بدلاً عن الدهون المشبعة.
الدهون المتحولة trans fat
– وهي ضارة جداً. وينتج هذا النوع من الدهون عند هدرجة أو تسخين الزيوت النباتية السائلة إلى درجات حرارة عالية بوجود غاز الهيدروجين. فالهدرجة الجزئية تحول الزيت إلى مادة صلبة كما تصبح أقل عرضة للتحلل بعد الإستعمال المتكرر في عملية القلي كما يمكن تخزينها مدة أطول ولهذه الأسباب أصبحت هذه الزيوت النباتية المهدرجة مثل المارجرين والسمن النباتي كثيرة الإستعمال في مطاعم الوجبات السريعة. وإذا تمت هدرجة الزيوت النباتية بشكل كامل فيصبح تأثيرها على الإنسان مشابه تماماً للدهون الحيوانية المشبعة. أما تأثيرها على الكوليسترول فهو أسوأ من تأثير الدهون المشبعة إذ ترفع الدهون المتحولة مستوى البروتين الشحمي الضار خفيض الكثافة وتقلل مستوى البروتين الشحمي النافع رفيع الكثافة وتسبب تهيج الأنسجة وفرط نشاط جهاز المناعة بشكل مؤذٍ يؤدي إلى ظهور أمراض القلب والشرايين والسكتة الدماغية والسكري. ولذلك فمن المهم عدم تناول الدهون المتحولة أبداً أو على الأقل الحد من الكمية بحيث لا تتعدى 6 غرامات يومياً.
حقائق عن الكوليسترول
– إن أكل الجمبري وأبو جلنبو لا يرفع مستوى الكوليسترول في الدم.
– إن تأثير كميات الكوليسترول التي نتناولها عبر الغذاء في تحديد مستوى الكوليسترول النهائي بالدم متواضع جداً، وينطبق هذا على غالبية الناس. ولكن هناك بعض الناس الذين تتأثر مستويات كوليسترول الدم عندهم بشكل قوي حسب كمية ما يتناولوه من الكوليسترول في طعامهم. وبشكل عام فيقترح أن تكون نسبة كمية الدهون التي نتناولها هي 20 إلى 35% من مجموع السعرات المتناولة في اليوم الواحد.
– أظهرت الدراسات أن تخفيض كميات الدهون بدون تمييز في الطعام اليومي لم تؤثر على خطر ظهور أمراض القلب والشرايين والسرطان أو السمنة ولكن الأهم كان هو نوعية الدهون الموجودة في الطعام. وعند مقارنة تأثير غرام من الدهون المتحولة نجده أسوأ بكثير من غرام واحد من الدهون المشبعة التي هي نفسها ضارة جداً وتزيد من خطر ظهور أمراض القلب والشرايين. أما الدهون غير المشبعة الأحادية والمتعددة فالأبحاث العلمية متفقة في نتائجها وهي أن هذه الدهون النافعة تقلل من خطر ظهور أمراض القلب والشرايين.
– لم تثبت الدراسات أن تناول الدهون يزيد من خطر ظهور سرطان القولون ولكن تناول اللحوم الحمراء سواء لحم العجل أو الضأن واللحوم المصنعة مثل الهوت دوجز والمرتديلا وغيرها يزيد حالات سرطان القولون ولذلك فمن الأفضل التقليل من تناول اللحوم الحمراء بحيث لا يتعدى نصف كيلو بالأسبوع وتجنب اللحوم المصنعة.
المختصر المفيد
تظهر الدراسات أن استبدال الدهون المشبعة بالنشويات في طعامك اليومي لا يحميك من أمراض القلب بينما يتوفر دليل علمي قوي على أن استبدال الدهون المشبعة بالدهون غير المشبعة هو ما قد يفيد. هذا بالإضافة إلى الحد من كمية الدهون المتحولة والمشبعة بشكل عام مع تحديد عدد السعرات الحرارية الناتجة عن تناول الدهون بحيث لا يتعدى ما ذكر أعلاه.
إذاً حاولي حذف الدهون المتحولة الموجودة في الزيوت المهدرجة جزئياً من غذائك. إقرأي المعلومات الغذائية الموجودة على كل علبة أو كيس أغذية ودققي إذا كانت تحتوي على دهون متحولة (مهدرجة). تجنبي المأكولات السريعة المقلية.